الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
عن جابر، قال: رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: * مناسبة هذا الباب للتوحيد: أن فيه تعظيم وجه الله عز وجل، بحيث لا يسأل به إلا الجنة. قوله: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة. اختلف في المراد بذلك على قولين: القول الأول: أن المراد: لا تسألوا أحدًا من المخلوقين بوجه الله، فإذا أردت أن تسأل أحدًا من المخلوقين، فلا تسأله بوجه الله، لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة والخلق لا يقدرون على إعطاء الجنة فإذًا لا يسألون بوجه الله مطلقًا، ويظهر أن المؤلف يرى هذا الرأي في شرح الحديث، ولذلك ذكره بعد " باب لا يرد من سأل بالله ". القول الثاني: أنك إذا سألت الله، فإن سألت الجنة وما يستلزم دخلولها، فلا حرج أن تسأل بوجه الله، وإن سألت من أمور الدنيا، فلا تسأله بوجه الله، لأن وجه الله أعظم من أن يسأل به لشيء من أمور الدنيا. فأمور الآخرة تسأل بوجه الله، كقولك مثلًا: أسألك بوجهك أن تنجيني من النار، والنار والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعاذ بوجه الله لما نزل قوله تعالى: ولو قيل: إنه يشمل المعنيين جميعًا، لكان له وجه. وقوله: "بوجه الله". فيه إثبات الوجه لله عز وجل، وهو ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف، فالقرآن في قوله تعالى: والسنة كما في الحديث السابق: " أعوذ بوجهك ". واختلف في هذا الوجه الذي أضافه الله إلى نفسه: هل هو وجه حقيقي، أو أنه وجه يعبر به عن الذات وليس لله وجه بل له ذات، أو أنه يعبر به عن الشيء الذي يراد به وجهه وليس هو الوجه الحقيقي، أو أنه يعبر به عن الجهة، أو أنه يعبر به عن الثواب؟ فيه خلاف، لكن هدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فقالوا: إنه وجه حقيقي، لأن الله تعالى قال: وقال أهل التعطيل: إن الوجه عبارة عن الذات أو الجهة أو الثواب، قالوا: ولو أثبتنا لله وجهًا حقيقًا للزم أن يكون جسمًا، والأجسام متماثلة، ويلزم من ذلك إثبات المثل لله عز وجل والله تعالى يقول ليس كمثله شيء، وإثبات المثل تكذيب للقرآن، وأنتم يا أهل السنة تقولون: إن من اعتقد أن لله مثيلًا فيما يختص به فهو كافر، فنقول لهم: أولًا: ما تعنون بالجسم الذي فررتم منه، أتعنون به المركب من عظام وأعصاب ولحم ودم بحيث يفتقر كل جزء منه إلى الآخر؟ إ، أردتم ذلك، فنحن نوافقكم أن الله ليس على هذا الوجه ولا يمكن أن يكون كذلك، وإن أردتم بالجسم الذات الحقيقية المتصفة بصفات الكمال فلا محذور في ذلك والله تعالى وصف نفسه بأنه أحد صمد، قال تعالى: ثانيًا: قولكم: إن الأجسام متماثلة قضية من أكذب القضايا، فهل جسم الدب مثل جسم النملة؟ فبينهما تباين عظيم في الحجم والرقة واللين وغير ذلك. فإذا بطلت هذه الحجة بطلت النتيجة وهي استلزام مماثلة الله لخلقه. ونحن نشاهد البشر لا يتفقون في الوجوه، فلا تجد اثنين متماثلين من كل وجه ولو كانا توأمين، بل قالوا: إن عروق الرجل واليد غير متماثلة من شخص إلى آخر. ويلاحظ أن التعبير بنفي المماثلة أولي من التعبير بنفي المشابهة، لأنه اللفظ الذي جاء به القرآن، ولأنه ما من شيئين موجودين إلا ويشتبهان من وجه ويفترقان من وجه آخر، فنفي مطلق المشابهة لا يصح، وقد تقدم. وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: الأول: أن الله خلق آدم على صورة اختارها وجعلها أحسن صورة في الوجه، وعلي هذا، فلا ينبغي أن يقبح أو يضرب لأنه لما أضافه إلى نفسه اقتضي من الإكرام ما لا ينبغي معه أن يقبح أو أن يضرب. الثاني: أن الله خلق آدم على صورة الله عز وجل ولا يلزم من ذلك المماثلة بدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وقال بعض أهل العلم: على صورته، أي: صورة آدم، أي: أن الله خلق آدم أول أمره على هذه الصورة، وليس كبنيه يتدرج في الإنشاء نطفة ثم علقة ثم مضغة. لكن الإمام أحمد رحمه الله أنكر هذا التأويل، وقال: هذا تأويل الجهنمية، ولأنه يفقد الحديث معناه، وأيضًا يعارضه اللفظ الآخر المفسر للضمير وهو بلفظ: " علي صورة الرحمن ". * فيه مسائل: الأولى: النهي عن أن يسأل بوجه الله إلا غاية المطالب. الثانية: إثبات صفة الوجه. فيه مسائل: * الأولى: النهي عن أن يسأل بوجه الله إلا غاية المطالب. تؤخذ من حديث الباب، وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، لكن على تقدير صحته، فإنه من الأدب أن لا تسأل بوجه الله إلا ما كان من أمر الآخرة: الفوز بالجنة، أو النجاة من النار. * الثانية: إثبات صفة الوجه. وقد سبق الكلام عليه.
***
|